بقلم: د. حسين شحاتة
لقد أجمع فقهاء الإسلام المخلصون المحققون، سواء من السلف أو من الخلف المعاصرين، على أن للنظام الربوي القائم على الفائدة آثارًا سيئة متعددة الجوانب.. والتي من أجلها حَرَّم الله الربا تحريمًا قطعيًّا، يضيق بنا المقام لذكرها تفصيلاً؛ لذلك نوجز أهمها في الآتي:
(1) مضار الربا العقدية (أثر الربا على العقيدة):
يعلن من يتعامل بالربا معصية الله عز وجل، إنه يحارب الله ورسوله؛ لذلك فهو عاصٍ خرج من رحمة الله، وجزاؤه إذا لم يتب جنهم وساءت مصيرًا... كما أنه يعبد المال ويعشقه من دون الله وبذلك أصبح ماديًّا تجرَّد من الروحانية ومن حب الله عز وجل الذي خلقه ورزقه، ولقد وصفه القرآن بأنه كفاّر أثيم وظالم، ويصدق فيه قول الله: ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ (الأحزاب: من الآية 36)، ومن ناحية أخرى نجد المرابي يبني في الدنيا، ويخرب آخرته؛ ولذلك دائمًا يخاف الموت، ولقد أعلن الله عليه الحرب في قوله: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾ (البقرة: من الآية 279).
(2) مضار الربا الأخلاقية:
يتجرد من يتعامل بالربا من القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة، فهو جشع وشرير وبخيل، وقلبه أشد قسوةً من الحجارة، لا يتورع من أن يضحي بكل المثل والأخلاق السامية من أجل درهم ربا، ولذلك وصفه القرآن بأنه مجنون ومسعور وقلق، كما ورد في قوله تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)﴾ (البقرة)، كما أن المرابي يتسم بالإثْرة والفردية والمقامرة والكذب والخداع.
يقول علماء النفس إنه إذا حللنا نفسية المرابي تحليلاً سيكولوجيًّا لوجدنا أن لديه شراهة في جمع المال والاستحواذ عليه بكل الطرق الخسيسة، وذلك بتأثير الإثرة والبخل والتكالب على المال والحرص عليه؛ تجعله دائمًا وأبدًا يعيش في ظلام المادة لا ينفك عنها حتى يدركه الموت.
وإذا نظرنا في الواقع العملي لنجد أن المرابي يتكلم دائمًا عن المال، ويصبح ذلك أكبر همه، ويتابع أخبار المقترضين، ويفكر دائمًا في كيفية وضع الضمانات للمحافظة على أصل ماله، مضافًا إليه الفوائد الربوية دونما أن يعبأ بتحريم الشرع له وإنذاره للمرابين بحرب من الله ورسوله إن لم ينتهوا عنه.
(3) مضار الربا الاقتصادية:
لقد أجمع علماء الاقتصاد الوضعي أن النظام الربوي القائم على الفائدة يعوق التنمية ويسبب التخلف، ويزيد الفقير فقرًا، ولقد أوصى صندوق النقد الدولي الدول النامية بأن تتجنب تمويل التنمية بالقروض بفائدة؛ لأن ذلك يسبب لها مزيدًا من التأخر، كما أوصى الصندوق بأن تعتمد هذه الدول على التمويل بصيغة المشاركة بينها وبين الدول الغنية، وفقًا لقاعدة الغنم بالغرم (المشاركة في الربح والخسارة).
وقال كبير الاقتصاديين "كينز" بأنه لن يتحقق العلاج الصحيح للبطالة والكساد إلاّ إذا كان سعر الفائدة صفرًا، وتتسابق دول العالم الآن لتخفيض سعر الفائدة؛ حتى إنه وصل في بعض الدول العالم إلى 1.5% سنويًّا، ونتساءل ماذا يحدث لو كان سعر الفائدة صفرًا؟، الإجابة هي أن يتحول الناس إلى نظام المشاركة، وهذا هو منهج الاستثمار الإسلامي.
ويرجع السبب في طلب الاقتصاديين الوضعيين التخلي عن سعر الفائدة إلى الآتي:
1- أن إضافة الفوائد على تكلفة الأصول أو تكلفة البضاعة يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وهذا يقود إلى التضخم، ولقد قيل: إن الفائدة هي وقود التضخم، فكلما ارتفع سعر الفائدة كلما زاد معدل التضخم.
2- يؤدي نظام الفائدة إلى تعسر الشركات أو توقفها أو تصفيتها، وذلك في حالة تعذر رجال الأعمال المقترضين عن سداد الفوائد والأقساط، وهذا هو الواقع الذي نعيشه الآن، وهذا يقود لسلسلة من المضاعفات قد تنتهي إلى انهيار البنوك وإفلاس الشركات وخلل في النظام النقدي.
3- يؤدي نظام الفائدة إلى حدوث الخلل في الأسواق المالية (البورصات)، وما حدث في دول شرق آسيا ليس منا ببعيد؛ حيث تبيَّن أن السبب الرئيسي في ذلك هو الاقتراض من البنوك بفائدة لتمويل المضاربات في البورصة بنظام الاختيارات والمستقبليات والمعاملات الوهمية.
4- يؤدي نظام الفائدة إلى خلل في انسياب الأموال إذا كان سعر الفائدة أعلى من العائد المتوقع من استثمار المال، وهذا يحجب التمويل عن المشروعات الضرورية التي يقل عائدها المتوقع عن سعر الفائدة.
5- يؤدي نظام الفائدة إلى الكساد والأزمات الاقتصادية؛ حيث يتوقف رجال الأعمال عن السداد، وتتوقف البنوك عن التمويل، وهذا هو الواقع، لذلك يؤكد رجال الاقتصاد الإسلامي بأنه لا يوجد نظام أشر على العالم من نظام الفائدة فهو شر ويقود إلى شر، وأن البديل له هو نظام الاستثمار القائم على المشاركة والإجارة والتصنيع والسلم.
(4) مضار الربا السياسية:
ولا تقتصر مضار النظام الربوي على المستوى الإقليمي، بل يمتد إلى المستوى الدولي، ويكون له آثار سيئة ملموسة على السياسات الدولية، وفيما يلي نظرات في مضار الربا السياسة.
1- يؤدي النظام الربوي إلى وقوع الدول الضعيفة تحت رحمة الدول الغنية بسبب الاقتراض، وهذا ما نشاهده في الواقع الآن؛ حيث تقع الدول المقترضة الفقيرة تحت ذل وسيطرة الدول المقرضة الغنية، والتي تملي شروطها التعسفية عليها، ويترتب على ذلك استنزاف موارد تلك البلاد الفقيرة واستعمارها، وما حدث بدولة مصر ليس مِنّا ببعيد، ففي عهد الخديوي إسماعيل وقعت مصر تحت رحمة إنجلترا بسبب القروض، وانتهى الأمر إلى استعمار مصر، وفي عهد عبد الناصر اقترضت مصر من روسيا القروض بفائدة وانتهى الأمر إلى دخول الروس مصر وسيطروا على أمورها، ويضيق بنا المقام لسرد الأخطار الأخرى الناجمة عن ذلك.
2- يلعب المرابون دورًا خطيرًا في سياسة الدول داخليًّا وخارجيًّا، فعلى سبيل المثال يسيطر اليهود المرابون، والذين يهيمنون على المؤسسات المالية في أمريكا على أمور تلك المؤسسات؛ حيث لديهم الإمكانيات المالية لتسخر بعض العناصر لخدمتهم، ويظهر ذلك جليًّا في حالة الانتخابات وفي التعامل مع قضية فلسطين والصهاينة اليهود وفي دعم الدول الفقيرة.
3- يحاول المرابون أصحاب المليارات السيطرة على مصادر المواد الخام المختلفة في البلاد الصغيرة بأساليبهم الخبيثة، وهذا يقود في النهاية إلى استعمار تلك البلاد تلك التي تنتج مثل هذه المواد، وما يحدث في دول النفط ليس منّا ببعيد.
4- بالإضافة إلى ما سبق يحاول المرابون التخطيط للغزو الفكري للبلاد الإسلامية وتشكيكهم في أحكام العبادات والمعاملات حتى يسهل لهم تحقيق مآربهم الخبيثة.
خلاصة القول:
يتضح من التحليل الموضوعي العلمي والواقعي السابق أن للنظام الربوي مضارًا وآثارًا سيئة من الناحية العقدية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما ذكر كان على سبيل المثال، ولذلك حَرَّمَ الله عز وجل ذلك النظام رحمة بالبشرية، وما نعانيه اليوم ليس إلاّ من نتاج النظام الربوي وصدق الله العظيم حين يقول: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11)، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم حيثما قال: "إذا ظهر الزنى والربا في قرية أذن الله بهلاكها"... ألم يأن للمسلمين بعد هذا البيان أن يتوبوا!! ألم يأن للذين يتعاملون بالربا أن يتقوا يومًا يرجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
---------------
* الأستاذ بجامعة الأزهر