أزهري أون لاين المدير
عدد المساهمات : 179 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 28/09/2010 العمر : 41
| موضوع: لا تدع تفكيرك يُلقي بك في الحفرة الأربعاء يناير 12, 2011 7:34 pm | |
| لا تدع تفكيرك يُلقي بك في الحفرة
في قرية ما، ببلد ما، كانت هناك مشكلة تتمثل في حفرة عميقة موجودة بوسط طريق عام، وكان لهذه الحفرة ضحايا بشكل دوري.
ويوماً وراء آخر كانت الحفرة تزداد اتساعاً وعمقاً، وبالتالي يزداد عدد ضحاياها من المصابين، وباتت الحفرة كأنها وحش أسطوري لا يتوقف عن النمو، تنفتح شهيته أكثر لالتهام ضحاياه من بني البشر كلما استقبل المزيد منهم.
ولأن الحفرة علا صوتها، وانتشرت أخبارها، باتت مزاراً سياحياً تأتي الكاميرات لتصويره، والصحفيون للكتابة عنه، وهي صامدة لا تهاب زوارها، ولا تخجل من ناقديها؛ فكانت كل الكتابات والكاميرات مسلّطة على وجود الحفرة، مرة بشرح كل الأسباب، وأخرى بتناول تاريخها بإسهاب، دون أن يُقدّم أحد حلاً معقولاً بديهياً يقضي على وجودها؛ وكأن استمرار المشكلة هو استمرار لوجودهم، أو هكذا يعتقدون.
الحل البسيط حتى خرج في يوم أحد خبراء القنوات الفضائية، دائمي الظهور لنقد كل شيء، والتبرّم من كل موضوع، وعرض آثامه فقط، والتحسّر على أيام الزمن التي ولّت بغير رجعة، وبعد أن فكّر وعصر عقله قال في صوت جهوري هزّ المشاهدين، وأدخل الرعب في قلوب المسئولين: "كيف تُترك هذه الحفرة طوال هذه السنوات، لتكون مَفرمة للأولاد والبنات، والحل أمامنا بسيط وسهل، ولا يجب علينا الانتظار وتنفيذه على مهل"..
وتوقّف لالتقاط أنفاسه مُنذراً بإلقاء فكرة كالقنبلة ستحلّ كل المشكلات الماضية والمُقبلة، وقال: "يجب توفير عربة إسعاف تكون موجودة بشكل دائم إلى جوار الحفرة لسرعة نقل المصابين إلى المستشفيات، وتفاقم إصابتهم، وربما يكون أحدهم قد مات"!!
وما إن أعلن هذه الفكرة الرهيبة حتى راحت وسائل الإعلام المختلفة تتناولها بالنقد والتحليل، وراحوا يستشهدون بها وكأنها برهان ودليل؛ ولكن هذه الفكرة لم تُعجب أحد كبار الصحفيين الذي انتقدها، وانتقد طريقة تفكير من ابتدعها، وبمنهج مختلف في التفكير قدّم الرجل حلاً جديداً للتغلّب على المشكلة في إحدى مقالاته واسعة الانتشار.
وبعد أن فنّد الرجل فكرة خبير الفضائيات، وأشار إلى أنها دليل على اضمحلال الزمن الذي نعيشه؛ فالحل الناجع والرأي الشافع يكمن في: بناء مستشفى إلى جوار تلك الحفرة؛ على أن يكون مجهّزاً بكافة الوسائل الضرورية، الكفيلة بعدم تعرّض المصابين للأزمات المرورية، عند نقلهم للمستشفى الموجود، والذي يبعد عدة كيلومترات عن مكان الحفرة"!!
خطة الحكومة هي الحل وما إن نشر الرجل مقالته حتى راح مريدوه وتلامذته ومحبوه يباركون هذه الطريقة العبقرية في التفكير، ويبشرون بمستقبل زاهر لهذا الوطن، إن تمّ الأخذ بأفكار هذا الكاتب المفكر.
وعندما تعالت الأصوات الناقدة للحكومة وممثليها الذي ينامون في العسل، ويتركون المصائب ولا يعرفون سوى الكسل، خرج أحد كبار رجال الحزب الحاكم في هذا "البلد ما"، ليعلن في مؤتمر صحفي عالمي عن خطة الحكومة في التعامل مع هذه المشكلة.. وقف الرجل صاحب المظهر الأنيق، ورائحة العطر التي تكاد تتنسمها أمام شاشة التلفزيون ليقول:
"لقد عرضنا هذه المشكلة على اللجان المختصة، وأعطيناها حقها في لجان الفحص والتمحيص، وتأكّد لنا سذاجة الحلول المقدمة سابقاً، وعدم جدواها، وتوصّلنا إلى أن الحل الأمثل والسهل والواضح هو: ردم هذه الحفرة والقضاء عليها نهائياً في هذا المكان؛ على أن يتمّ حفر واحدة أخرى بجوار المستشفى العام؛ حتى تكون هناك سرعة في نقل المصابين، وتوفيراً لتكلفة بناء مستشفى جديد"!!
صديقي القارئ، قبل أن يُغمى عليك من صدمة هذا المسئول الوقور، دعني أخبرك أنني أرمي في هذه المقالة للكلام عن التفكير المشوّش الذي يأخذ أصحابه إلى أسفل بدلاً من أن يصعد بهم إلى أعلى، والذي أصبح شبه آفة جديدة تنهش العقول من حولنا، وتعود بنا إلى أسوأ مما كان عليه من قبل.
حلول بسيطة لتغيير طريقة التفكير وقد دفعني للكتابة في موضوع التفكير، تعليق على مقال سابق لي من إحدى قارئات "بص وطل" طلبَتْ الإفادة، وأنا لن أطيل هنا في الحديث عن أنواع التفكير، وسمات كل نوع، وكيف نبرمج أدمغتنا من جديد؛ فهذا الكلام يطول شرحه، ومن الصعب الإلمام به في مقال واحد؛ ولكني سأحاول أن أخبرك عن بعض الأفعال السهلة البسيطة التي إن جعلْتَ منها عادة ساعدتك كثيراً في تعديل مسارك الفكري، وحادت بك عن الوقوع في أخطاء من ذكرناهم في الحكاية السابقة، وربما جنّبتك الوقوع في حفرة التفكير المشوّش، الذي يسبب الكثير من المتاعب لأصحابه، وأول هذه الأفعال هو: مطالعة القصص البوليسية المرتّبة في أحداثها ظاهرياً، وأفلام التشويق المحبوكة درامياً؛ فهذه وتلك تعوّد الشخص على التفكير بشكل منهجي مسلسل تعتمد فيه كل حادثة جديدة على نهاية منطقية للحادثة السابقة.
اترك لخيالك العنان والنصيحة الثانية هي إعطاء جزء من وقتك لتنشيط خيالك بسماع الإذاعة! نعم فالاستماع إلى الإذاعة فرصة ذهبية لتنشيط الخيال، وتكوين صور متخيلة لمن تسمعهم عن طريق أذنيك ولا تراهم بعينيك؛ فهل ما تزال تعطي لنفسك بعض الوقت اليومي لسماع الردايو؛ وبالطبع لا أقصد هنا إذاعات الأغاني؛ فهي كفيلة بتشويه أفكارك أكثر مما هي عليه؛ ولكني أرمي للبرامج الحوارية والمواد الدرامية التي تستنفر مساحة الخيال وتشعلها إلى ذروتها، قبل أن تخبو جذوتها. وثالث نصيحة بسيطة قد تُفيدك في هذا الميدان هو انتقاء من تسمع منهم وتقرأ لهم من يقدمون المعلومات الغزيرة المدعّمة بالحجج الوفيرة، دون أن تشعر منهم بتشويش ومطبّات في العرض والإقناع؛ فمسئولية نموّ عقلك بين يديك، وأنت قادر على صنعها لو أحسنت اختيار من تأخذ منهم. وهذه بعض الحلول البسيطة وليست هي كل شيء؛ ولكنها خطوة على الطريق.. وأرجو وأنت تخطوها أن تُخبرنا بحلّ رابع لمشكلة الحفرة أو تقول لنا كيف تفكّر حتى تتجنب الوقوع في مطبّ من مطبات الحياة؟
| |
|